الحارس الأخير للملك فاروق يدلي بشهادته

شاهد على العصر
الحارس الأخير للملك فاروق يدلي بشهادته : لحظات القوة والدموع
هذا الرجل يسجل إسمه في تاريخ الشخصيات الفريدة . كان حارسا للملك ثم عمل مع جمال عبد الناصر في الإتحاد الإشتراكي ، وإحتل منصبا جامعيا في عهد السادات الي أن وصل الي عمادة كلية التجارة في طنطا ..
إسمه الدكتور عبد المنعم جنيد ، ظل في الظل الظليل الي أن تمكن الزميل محمد عبد الغفار من إجراء حوار معه ، وكشف بعض أسراره ..
الدكتور «جنيد» عاش أخطر اللحظات فى تاريخ مصر من خلال عمله مع الملك فاروق ، واختاره جمال عبدالناصر للعمل فى منظمة الشباب والأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى . وصعد نجمه معه ولم يستبعده أحد لأنه من رجال العهد البائد ، ولنفس الكفاءة اختاره الرئيس السادات للعمل معه فى الفترة الأولى للحكم ، إلى أن طلب من الرئيس السادات أن يعمل فى السلك الجامعى حتى وصل بكفاءته وعلمه ، إلى منصب عميد كلية التجارة جامعة طنطا، و ظل أستاذ متفرغ بها ليشرف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه.
عن نشأته يقول الدكتور جنيد : كان والدى مدرساً للغة العربية والدين الإسلامى.. اختاره الملك فؤاد ملك مصر فى ذاك الوقت ليقوم بتدريس اللغة العربية والدين الإسلامى والقرآن الكريم لابنه وولى عهده فاروق ، وتمر السنوات ويصبح فاروق ملكاً على مصر، حصلت على الثانوية العامة «التوجيهية» والتحقت بكلية البوليس «الشرطة» وتخرجت ضابطاً بقسم الجيزة وكان شعورنا الوطنى متأججاً وتركت العمل بالبوليس والتحقت بكتائب الفدائيين لمقاومة الإنجليز المحتلين لمنطقة القناة، وأثناء تواجدى فى بورسعيد جاءنى الخبر بوفاة والدى واتجهت إلى القاهرة، وفى سرادق العزاء ليلاً جاءنى زميل ضابط بالقصر الملكى وطلب منى الحضور فى الصباح فى قصر عابدين لمقابلة اللواء أحمد كامل، مدير البوليس الملكى، لم أكن أعلم شيئاً عن سر هذا الاستدعاء.. بالفعل ذهبت فى الصباح لمقابلته وتحدث معى الرجل معزياً ثم أخبرنى أن جلالة الملك اختارنى لأنضم إلى البوليس الملكى وحارساً له، وتسلمت العمل حارساً للملك فاروق الأول ملك مصر والسودان.
ووصف الملك قائلا : كان رجلاً نبيلاً متواضعاً للغاية وللحقيقة والتاريخ كما رأيت وشاهدت كان رجلاً وطنياً جداً أحب مصر وأحب شعبه، كان رجلاً شرقياً متديناً يؤدى الصلاة ولم يتاجر بإيمانه ولا تدينه، لا تصدقوا ما قيل عنه، كان يهتم بالحفلات الدينية ويقيم مقرأة للقرآن الكريم فى شهر رمضان بقصر عابدين، والغريب أنه كان يحب شهر رمضان جداً ويطعم الفقراء، هذا رأيته بنفسى، لم يشرب الخمور ولم يعشق النساء كما قالوا، كانت تسليته الوحيدة أن يذهب إلى نادى السيارات ويلعب الكارت للتسلية فقط.
عن الشهور الأخيره في حكم الملك فاروق قال : سأحكى ما رأيته ولم يره أحد وما شاهدته ولم يشاهده أحد وما سمعته ولم يسمعه أحد.. الحكاية بدأت يوم 16 مايو 1952 كانت آخر زيارة ملكية رسمية للملك، ذهبت معه لافتتاح مبنى الغرفة التجارية الحالى فى باب اللوق وتلقيت أثناء الزيارة التعليمات بالتوجه إلى الإسكندرية وكانت فى هذا الوقت هى المقر الرسمى للملك والحكومة فى الصيف، وبعد افتتاح الغرفة التجارية سافرت فى اليوم نفسه فى القطار الملكى إلى الإسكندرية وأقام الملك والملكة والأميرات بقصر المنتزه وأحضروا معهم 27 حقيبة بها الملابس الصيفية.
والذى لا يعرفه أحد عن الملك فاروق أنه ابن نكتة وله قفشات مثل أى مصرى ابن بلد وخفيف الظل إلى أبعد درجة وكان يتحدث معنا بسلاسة.
كان الملك يضيق بالحراسة ويهرب منها ويحب أن يقود سيارته بمفرده بنفسه مثل أى مواطن ولى موقف معه.. كنا فى شهر يونيو وفوجئت بالجندى النوبتجى وأنا فى حجرتى بعد يوم حار مرهق وكانت الساعة الواحدة صباحاً وكنت مستلقياً على سريرى يتصل بى تليفونياً ويخبرنى بأن جلالة الملك واقف على بوابة القصر استكملت ارتداء ملابسى وأنا أجرى لألحق به فأخذ يضحك ويقهقه ويهدأ روعى قائلاً: «مالك فى إيه؟.
الموقف الثانى وكان الرجل ذكياً جداً كانت هناك حديقة فاكهة فى سراى المنتزه وكان العمال يقومون ببناء سور للحديقة وكان ممنوعاً على أى شخص أن يقود سيارة داخل السراى وكنت أقود سيارة فجأة رأيت سيارة الملك قادمة من الحرملك فى اتجاه عمال البناء، حيث كان ذاهباً إليهم، تصنعت أننى أقوم بمتابعة العمال.. اكتشفت أن الملك كان يتابعنى ثم قهقه وضحك وكأنه يقول لى: أنا شايفك وعارف إنك بتضحك عليا، هذا هو الملك ببساطته الشديدة
وجاءت لحظة الحقيقة عندما أجاب الرجل علي سؤال محمد عبد الغفار : إنت شاهد عيان هل كان يمكن للملك أن يقاوم حركة الجيش فى 23 يوليو؟
أجاب : وضع الرجل يده على جبهته كأنه يعصرها ثم قال: نعم كان يمكنه أن يجهضها وسأحكى لك بالتفصيل كيف حافظ الملك على دماء المصريين، فوجئنا بحصار من بعض قوات الجيش بقيادة الصاغ «الرائد» الإخوانى عبدالمنعم عبدالرؤوف لقصر رأس التين ، الحرس الملكى كان قوة مهولة رفضوا هذا الحصار وقرروا التعامل مع قوات حركة 23 يوليو وقتالهم وإبعادهم عن القصر .
وقام اثنان من ضباط الحرس الملكى الأول اليوزباشى محمد أحمد صادق الذى أصبح فى عهد جمال عبد الناصر رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة فى حرب الاستنزاف ثم وزيراً للحربية مع الرئيس السادات واليوزباشى عبدالمحسن كامل مرتجى الذى صار بعد ذلك قائد القوات البرية ، رئيس النادى الأهلى لسنوات طويلة، وبالفعل اشتبكا مع قوات الثورة وأطلقا النيران .
وهنا تتجلى وطنية الملك فاروق حينما أصدر تعليماته الفورية إلى اللواء النجومى باشا ياور الملك أن يذهب إليهم ويأمرهم بأن التعليمات المشددة من الملك أنه لا يقبل الاعتداء على أى مصرى ، ولا يقبل إراقة دماء المصريين أبداً ورفض تماماً إطلاق النيران .
سأله عبد الغفار : قد يكون هذا الموقف نتيجة خوف الملك على نفسه وعلى أسرته؟
ابتسم وقال: الملك فاروق كان شجاعاً ولم يكن جباناً أبداً ولم يكن الجيش كله ضده كما يتصور البعض، كانت هناك قطاعات من الجيش معه والسلاح البحرى بقيادة سليمان عزت كان ولاؤه الكامل للملك ولكن الملك رفض أن يتقاتل الجيش المصرى وضحى بعرشه من أجل الحفاظ على دماء المصريين، كما قال وهذه وطنية وتضحية كبيرة منه..
الذى لا يعرفه أحد وأقوله بضمير مستريح أنه رفض تماماً المساعدة من أى دولة أجنبية ومستشار السفارة الإنجليزية حضر إليه صباح يوم الثورة من أجل المساعدة لكن الملك أبى مجرد فتح هذا الموضوع ورفض تماماً..
هذا الرجل كما رأيت حافظ على مصر وعلى المصريين.. بعد ذلك يوم 25 يوليو اتجهنا إلى قصر المنتزه حضر الملك فى الساعة التاسعة صباحاً ودخل جناحه الخاص وحضرت الملكة والأميرات فى الساعة الخامسة مساء ويوم 26 صباحاً حضر المستشار سليمان حافظ ومعه وثيقة التنازل وكنت واقفاً متأهباً بالقرب من الملك وهناك خطأ تاريخى قد حدث وأنا الذى شاهدت.. قيل إن الملك كانت يده ترتعش وهو يوقع على الوثيقة وهذا غير صحيح والحكاية كما شاهدتها أن الطاولة التى كانت عليها وثيقة التنازل أقل من مستواه وهو جالس نظراً لضخامته وبعد أن وقع وأخذها المستشار سليمان حافظ طلب الملك أن يعيد التوقيع عليها على طاولة مرتفعة حتى لا يشكك أحد فى توقيعه لأنه ملك شرعى بحكم الدستور والقانون وتنازل عن العرش استجابة لطلب بعض الضباط حفاظاً على سلامة البلاد ووحدة المصريين
وبعد ذلك استدعانا على ماهر باشا، رئيس وزراء الثورة، وأبلغنا بالتعليمات الجديدة.. من الآن أصبحنا حرس الملك الجديد أحمد فؤاد الثانى وسنرافقه مع والده فاروق على ظهر المركب المحروسة . وحضرت شقيقته الأميرة فوزية والأميرة فايزة لوداعه وجاء الموعد، نظر الملك إلى ساعته، وقال: لابد أن أحافظ على كلمتى وعلى الموعد المحدد للمغادرة وانتقلت حقائب الملك التى تحمل الملابس الصيفية والتى جئنا بها من القاهرة وعددها 27 حقيبة إلى اللنش تحمل الملابس الصيفية للأسرة وكانوا قد تركوا ملابسهم الشتوية بالقاهرة وركب الملك فاروق اللانش ومعه الملك الجديد أحمد فؤاد والملكة والأميرات إلى اللنش وفى الموعد المحدد تماماً أصدر أوامره بالإقلاع وكان حريصاً على تنفيذ وعده وكلمته.. حقاً كان ملكاً. ثم جاء الرئيس محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة الثورة، وبعض الضباط الأحرار فى لنش ولحقوا بنا وأشرفت على صعودهم إلى المحروسة وودعوا الملك الذى قال لهم: أرجو لكم التوفيق فى مهمتكم الصعبة وأدوا له التحية وهبطوا إلى اللنش وغادرنا الإسكندرية وأطلق قائد البحرية سليمان عزت المدافع تحية للملك، أصبحنا فى عرض البحر لا نعرف أين سنذهب.. سألت قائد المحروسة اللواء بحرى جلال علوبة: إلى أين سنذهب قال لى: لا أعرف التعليمات ستصلنا فيما بعد حتى وصلنا إلى مضيق ملسينا بين صقلية وإيطاليا وهناك تبينا أننا ذاهبون إلى نابولى وبمجرد دخولنا المياه الإقليمية الإيطالية بدأ الأسطول السادس الأمريكى يحيى المحروسة بتحية الملك.. وأتذكر أن الأميرة فريال الابنة الكبرى للملك فاروق رحمها الله كانت فتاة صغيرة تتمشى على سطح المحروسة وعندما رأتنى جاءت إلىّ وسلمت علىّ وتحدثت معى وقلت لها مجاملاً: إن شاء الله سموك تكونى بخير وتعود الأمور طيبة وترجعى مصر تانى.. الأميرة كانت تتميز بالعقل والثقافة والبساطة والتواضع الجم وكان ردها على كلامى: التاريخ قال هو فيه ملك خرج وتنازل عن العرش ورجع تانى، ثم سألت عن أحوالنا وإن كنا نحتاج إلى أى شىء.. وقبل وصولنا إلى نابولى، حيث سنرسوا وبينما كنا جالسين على سطح المركب جاء إلينا الملك فاروق وقال لنا: الحمد لله أننى وجدت حولى مصريين معى وإذا كان فيه حاجة انتوا عايزينها قولوا لى عليها وإن شاء الله تكونوا مبسوطين، كان رابط الجأش بعد ذلك ودعنا وسلم علينا فرداً فرداً وكنا متأثرين بالفعل والملك تأثر لتأثرنا. كان مصرياً صميماً خاف على وطنه وعلى دماء أبناء وطنه ثم دخل حجرته وأجهش بالبكاء قبل أن يغادر المحروسة وهى آخر أرض مصرية سيتركها، كان عزيزاً عليه أن يترك مصر وكان الموقف صعباً جداً علينا وعندما وصلنا إلى نابولى طلب الملك ألا تؤخذ أى صورة له وبالفعل غطينا المحروسة تماماً ونزل الملك هو وأسرته فى اللنش فى عرض البحر يملكه صديقه الإيطالى بوسيتى ثم سلم علينا مرة أخرى فرداً فرداً وهو فى حالة سيئة . والحقيقة التى يجب أن يعرفها الجميع أنه لم تؤخذ للملك أى صورة قبل أن يغادر قصر رأس التين حتى نزوله من اللنش فى إيطاليا وكل ما يعرض تمثيل سينمائى..
وجاءت إشارة من مجلس قيادة اللواء بحرى الثورة للواء جلال علوبة، قائد المحروسة، بالتحفظ على محمد حسن الشماشرجى وعودة جميع المصريين إلى الإسكندرية، وعدنا..
وقررت أن أدرس من جديد، حصلت على بكالوريوس التجارة بعد أن انتقلت إلى العمل كضابط بكلية الشرطة واستكملت الدراسات العليا وسافرت إلى فرنسا فى بعثة للحصول على الدكتوراه فى علم الإدارة من جامعة السوربون وبعد عودتى تم اختيارى من بين 15 شخصاً من الحاصلين على الدكتوراه من الجامعات الأوروبية للعمل فى منظمة الشباب ثم توليت أمانة التنظيم فى الاتحاد الاشتراكى وبدأت قصتى مع جمال عبدالناصر والضباط الأحرار والتنظيم السياسى الوحيد.

Comments

Popular posts from this blog

تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦

Market Analysis May-15-2013 Greg Guenthner